فصل: مدّة المسح على الخفّين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


مَدَد

التّعريف

1 - المدد في اللغة‏:‏ ما يمد به الشّيء‏,‏ يقال‏:‏ مددته بمدد‏:‏ قوّيته وأعنته به‏,‏ والمدد الجيش‏,‏ يقال‏:‏ ضمّ إليه ألف رجلٍ مدداً‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الرّدء‏:‏

2 - الرّدء في اللغة‏:‏ المعين والنّاصر‏,‏ قال تعالى حكايةً عن موسى عليه السلام‏:‏ ‏{‏وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي‏}‏ يعني معيناً‏,‏ وجمعه أرداء‏.‏

وفي الاصطلاح الأرداء‏:‏ هم الّذين يخدمون المقاتلين في الجهاد‏,‏ وقيل‏:‏ هم الّذين وقفوا على مكانٍ حتّى إذا ترك المقاتلون القتال قاتلوا‏.‏

‏(‏ر‏:‏ ردء ف 1‏)‏‏.‏

والصّلة أنّ كلاً من المدد والرّدء معين ومساعد للجيش‏.‏

الحكم الإجمالي

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المدد إذا لحق بالجيش قبل انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة فإنّه يسهم لهم‏,‏ لقول عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه‏:‏ الغنيمة لمن شهد الوقعة‏.‏

وإن كان لحاق المدد بالجيش بعد انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة لم يسهم لهم‏,‏ لأنّهم حضروا بعدما صارت الغنيمة للغانمين‏.‏

وإن كان اللّحاق بعد انقضاء الحرب وقبل حيازة الغنيمة‏:‏

فذهب بعضهم إلى أنّه لا يسهم لهم لأنّهم لم يشهدوا الوقعة‏,‏ وذهب آخرون إلى أنّه يسهم لهم لأنّهم حضروا قبل أن يملك الغانمون الغنيمة‏.‏

وقال ابن عابدين‏:‏ إذا لحق المقاتلين في دار الحرب جماعة يمدونهم وينصرونهم شاركوهم في الغنيمة‏,‏ لأنّ المقاتلين لم يملكوها قبل القسمة‏.‏

وذكر في التّتارخانيه‏:‏ أنّه لا تنقطع مشاركة المدد لهم إلا بثلاث‏:‏

إحداها‏:‏ إحراز الغنيمة بدارنا‏.‏

الثّانية‏:‏ قسمتها في دار الحرب‏.‏

الثّالثة‏:‏ بيع الإمام لها ثمّة‏,‏ لأنّ المدد لا يشارك الجيش في الثّمن‏.‏

مُدّ

انظر‏:‏ مقادير‏.‏

مُدّ عَجْوةٍ

التّعريف

ا - المد في اللغة‏:‏ كيل مقداره رطل وثلث عند أهل الحجاز وهو ربع صاعٍ‏,‏ لأنّ الصّاع خمسة أرطالٍ وثلث‏.‏

أمّا العجوة فهي ضرب من التّمر‏,‏ قال الجوهري‏:‏ العجوة‏:‏ ضرب من أجود التّمر بالمدينة هي الصّيحانيّة‏,‏ وبها ضروب من العجوة ليس لها عذوبة الصّيحانيّة‏,‏ ولا ريّها ولا امتلاؤها‏,‏ وحكى ابن سيّدة عن أبي حنيفة‏:‏ العجوة بالحجاز أم التّمر الّذي إليه المرجع كالشّهرين بالبصرة‏,‏ والنّبتيّ بالبحرين‏,‏ والجذاميّ باليمامة‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - مد عجوةٍ اسم مسألةٍ اشتهرت بهذا الاسم، وصورتها‏:‏ أن تجمع صفقةً ربوياً من الجانبين واختلف الجنس في الجانبين‏:‏ كمدّ عجوةٍ ودرهمٍ بمدّ عجوةٍ ودرهمٍ‏,‏ أو مدّ عجوةٍ ودرهمين بمدّين‏,‏ أو مدٍّ ودرهمٍ بدرهمين‏,‏ أو اشتملا على جنسٍ ربويٍّ وانضمّ إليه غير ربويٍّ فيهما‏:‏ كدرهم وثوبٍ بدرهم وثوبٍ‏,‏ أو في أحدهما كدرهم وثوبٍ بدرهم‏,‏ أو اختلف النّوع من الجانبين‏:‏ بأن اشتمل أحدهما من جنسٍ ربويٍّ على نوعين اشتمل الآخر عليهما‏,‏ كمدّ تمرٍ صيحانيٍّ ومدٍّ برنيّ بمدّ تمرٍ صيحانيٍّ ومدٍّ برنيّ‏,‏ أو على أحدهما‏:‏ كمدّ صيحانيٍّ ومدٍّ برنيّ بمدّين صيحانيٍّ أو برنيّ‏,‏ أو اختلف الوصف في الجانبين بأن اشتمل أحدهما في جنسٍ ربويٍّ على وصفين اشتمل الآخر عليهما‏,‏ كصحاح ومكسّرةٍ ينقص قيمتها عن قيمة الصّحاح بصحاح ومكسّرةٍ‏,‏ أو جيّدةٍ ورديئةٍ بجيّدة ورديئةٍ‏,‏ أو بأحدهما‏,‏ فكل هذه الصور باطلة عند الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة‏,‏ واستدلوا بحديث فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه قال‏:‏ «أتي النّبي صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز‏,‏ فأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالذّهب الّذي في القلادة فنزع وحده‏,‏ ثمّ قال لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ الذّهب بالذّهب وزناً بوزن» وفي روايةٍ‏:‏ «ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا حتّى تميّز بينهما»‏.‏

ولأنّ قضيّة اشتمال أحد طرفي العقد على مالين مختلفين يقتضي أن يوزّع ما في الطّرف الآخر عليهما باعتبار القيمة‏,‏ والتّوزيع هنا نشأ عن التّقويم الّذي هو تخمين‏,‏ والتّخمين قد يخطئ خطأً يؤدّي للمفاضلة أو عدم العلم بالمماثلة‏,‏ وإن اتّحدت شجرة المدين وضرب الدّرهمين‏,‏ ففي بيع مدٍّ ودرهمٍ بمدّين إن زادت قيمة المدّ على الدّرهم الّذي معه أو نقصت يلزم المفاضلة‏,‏ وإن ساوته لزم الجهل‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ربا ف 38‏)‏‏.‏

مُدَّعى

انظر‏:‏ دعوى‏.‏

مُدّة

التّعريف

ا - المُدّة لغةً‏:‏ مقدار من الزّمان يصدق على القليل والكثير‏,‏ والجمع مدد‏.‏

ولا يخرج التّعريف الاصطلاحي للمدّة عن التّعريف اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الأجل‏:‏

2 - أجل الشّيء‏:‏ مدّته ووقته الّذي يحل فيه‏,‏ وغاية الوقت في الموت‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بين المدّة والأجل عموم وخصوص مطلق‏,‏ فكل أجلٍ مدّة وليست كل مدّةٍ أجلاً‏.‏

ب - التّوقيت‏:‏

3 - التّوقيت لغةً‏:‏ تحديد الوقت‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ تحديد وقت الفعل ابتداءً وانتهاءً‏.‏

‏(‏ر‏:‏ تأقيت ف 1‏)‏‏.‏

والعلاقة بين التّوقيت والمدّة‏:‏ أنّ في التّوقيت بهذا المعنى بياناً للمدّة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمدّة

تتعلّق بالمدّة أحكام منها‏:‏

مدّة المسح على الخفّين

4 - ذهب جهور الفقهاء إلى أنّ مدّة المسح على الخفّين‏:‏ يوم وليلة للمقيم‏,‏ وثلاثة أيّامٍ بلياليها للمسافر‏,‏ لحديث شريح بن هانئٍ قال‏:‏ سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفّين فقالت‏:‏ سل علياً رضي الله عنه فإنّه كان يسافر مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏,‏ فسألته فقال‏:‏ «جعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيّامٍ ولياليهنّ للمسافر ويوماً وليلةً للمقيم»‏.‏

وابتداء المدّة من وقت حدث بعد لبسٍ إلى مثله في الثّاني أو الرّابع‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا حدّ في مدّة المسح فلا يتقيّد بيوم وليلةٍ ولا بأكثر ولا بأقلّ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏مسح على الخفّين‏)‏‏.‏

مدّة خيار الشّرط

5 - لا خلاف بين الفقهاء في مشروعيّة خيار الشّرط إلا أنّهم اختلفوا في مدّته‏:‏

فذهب أبو حنيفة والشّافعيّة إلى أنّ أكثر مدّته ثلاثة أيّامٍ‏,‏ وتحسب من العقد‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يشترط في مدّة خيار الشّرط أن تكون المدّة معلومة‏,‏ طالت أم قصرت‏,‏ وبه قال أبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة‏,‏ وأجاز مالك الزّيادة على الثّلاث بقدر الحاجة‏,‏ وتختلف المدد عند المالكيّة باختلاف أنواع المبيع‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏خيار الشّرط ف 8 وما بعدها‏)‏‏.‏

مدّة الإيلاء

6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الإيلاء لا بدّ له من مدّةٍ يحلف الزّوج على ترك قربان زوجته فيها‏,‏ ولكنّهم اختلفوا في مقدار هذه المدّة‏:‏

فذهب الجمهور إلى أنّ مدّة الإيلاء أكثر من أربعة أشهرٍ‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ مدّة الإيلاء أربعة أشهرٍ أو أكثر‏,‏ وهو قول عطاءٍ والثّوريّ ورواية عن أحمد‏.‏

فلو حلف‏:‏ إلا يقرب زوجته أربعة أشهرٍ فإنّه يكون إيلاءً عند الحنفيّة‏,‏ ولا يكون إيلاءً عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏,‏ وعلى هذا لو حلف الزّوج‏:‏ إلا يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهرٍ كان إيلاءً باتّفاق الفقهاء‏,‏ وإذا حلف ألا يقرب زوجته أقلّ من أربعة أشهرٍ فإنّه لا يكون إيلاءً عند الجميع‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏إيلاءٍ ف 1‏,‏ 14‏)‏‏.‏

مدّة العدّة

7 - للعدّة مدد تختلف باختلاف نوع العدّة وسببها‏,‏ فهنالك العدّة بالإقراء‏,‏ والعدّة بوضع الحمل‏,‏ والعدّة بالأشهر‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏عدّة ف 10 - 19‏)‏‏.‏

مدّة الحمل

8 - اتّفق الفقهاء على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهرٍ‏,‏ لما روي أنّ رجلاً تزوّج امرأةً فجاءت بولد لستّة أشهرٍ‏,‏ فهمّ عثمان رضي الله عنه برجمها‏,‏ فقال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ لو خاصمتكم بكتاب اللّه لخصمتكم‏,‏ فإنّ اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَََلاثُونَ شَهْراً‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ‏}‏ فالآية الأولى حدّدت مدّة الحمل والفصال أي الفطام بثلاثين شهراً‏,‏ والثّانية تدل على أنّ مدّة الفطام عامان‏,‏ فبقي لمدّة الحمل ستّة أشهرٍ‏.‏

أمّا أكثر مدّة الحمل فقد اختلف الفقهاء فيها على أقوالٍ‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏حمل ف 6 - 7‏,‏ وعدّة ف 21‏)‏‏.‏

مدّة الحيض

9 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ غالب مدّة الحيض ستّة أيّامٍ بلياليها أو سبعة‏.‏ واختلفوا في أدنى مدّة الحيض وأكثرها على أقوالٍ تفصيلها في مصطلح‏:‏ ‏(‏حيض ف 11‏,‏ وطهر ف 4‏)‏‏.‏

مدّة الطهر

10 - يرى الفقهاء أنّه لا حدّ لأكثر الطهر وأنّ غالب مدّته عند الشّافعيّة والحنابلة أربعة وعشرون يوماً‏,‏ أو ثلاثة وعشرون يوماً بلياليها‏.‏

واختلفوا في أقلّ مدّة الطهر بين الحيضتين على أقوالٍ‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة على المشهور والشّافعيّة إلى أنّ أقلّ طهرٍ بين حيضتين خمسة عشر يوماً بلياليها‏,‏ وذهب الحنابلة إلى أنّ أقلّ الطهر بين حيضتين ثلاثة عشر يوماً‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏طهر ف 4‏,‏ حيض ف 24‏)‏‏.‏

مدّة النّفاس

11 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا حدّ لأقلّ النّفاس‏.‏

أمّا أكثره فقد ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ أكثر مدّة النّفاس أربعون يوماً‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ إلى أنّ أكثر مدّة النّفاس ستون يوماً‏,‏ وغالبه أربعون يوماً‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نفاس‏)‏‏.‏

مدّة الإجارة

12 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الإجارة الّتي لا تنضبط المنفعة فيها إلا ببيان المدّة تذكر فيها المدّة، وليس لمدّة الإجارة حد أقصى عند جمهور الفقهاء‏.‏

وإن وقعت الإجارة على مدّةٍ يجب أن تكون معلومةً‏.‏

وإن قدّرت مدّة الإجارة بسنين ولم يبيّن نوعها حمل على السّنة الهلاليّة لأنّها معهودة في الشّرع‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏إجارة ف 94 - 97‏)‏‏.‏

مدّة التّأجيل للعنّين

13 - إذا عجز الزّوج عن جماع زوجته وثبتت عنّته ضرب له القاضي سنةً بطلب المرأة‏,‏ كما فعله عمر رضي الله عنه وتابعه العلماء عليه‏,‏ فإذا مضت السّنة ولا إصابة علمنا أنّه خِلقي‏,‏ فيفرّق القاضي بينهما‏.‏

وتبدأ السّنة من وقت التّأجيل‏,‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏عنّة ف 6 وما بعدها‏)‏‏.‏

مدّة تربص زوجة الغائب والمفقود

14 - اختلف الفقهاء في مدّة تربص زوجة الغائب والمفقود قبل التّفريق بينهما على أقوالٍ ينظر تفصيلها في مصطلح‏:‏ ‏(‏طلاق ف 87 - 92‏,‏ وغيبة ف 3‏,‏ ومفقود‏)‏‏.‏

مدّة الخيار في ردّ المصرّاة

15 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ التّصرية عيب ترد به المصرّاة‏,‏ إلا أنّهم اختلفوا في مدّة الخيار على أقوالٍ تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏تصريةٍ ف 8‏)‏‏.‏

اشتراط المدّة في عقد المزارعة

16 - يشترط لعقد المزارعة عند من يقول بمشروعيتها ولزومها من الفقهاء‏:‏ أن تكون بمدّة معلومةٍ‏,‏ فلا تصح المزارعة إلا ببيان المدّة‏,‏ وأن تكون معلومةً‏,‏ وأن تكون زمناً يتمكّن فيه من الزّراعة‏,‏ فإن كانت زمناً لا يتمكّن فيه من الزّراعة فسد العقد‏,‏ وأن تكون مدّةً يعيش فيها أحدهما غالباً‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏مزارعة‏)‏‏.‏

مدّة الصّلب

17 - اختلف الفقهاء في المدّة الّتي يبقى فيها المحارب المصلوب على الخشبة بعد قتله‏:‏ فذهب الحنفيّة في ظاهر الرّواية والشّافعيّة في الأصحّ إلى أنّها ثلاثة أيّامٍ‏,‏ وقيّد الشّافعيّة ذلك بما إذا لم يخف التّغير أو الانفجار قبلها وإلا أنزل وجوباً‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يصلب قدر ما يشتهر أمره، وعند المالكيّة ينزل إذا خيف تغيّره‏.‏

‏(‏ر‏:‏ حرابة ف 21‏)‏‏.‏

مدّة تعريف اللقطة

18 - إذا التقط إنسان لقطةً وجب عليه‏,‏ تعريفها سنةً أو مدّةً يغلب على ظنّه أنّ صاحبها لا يطلبها بعد ذلك‏,‏ فإن كان ما التقطه ممّا لا يبقى عاماً ولا يبقى بعلاج ولا غيره - كالفاكهة الّتي لا تجفّف - فيخيّر بين أكله وبيعه وحفظ ثمنه‏,‏ فإن ظهر صاحبه ضمنه له ولا يجوز إبقاء هذه اللقطة‏,‏ فإن تركها حتّى تلفت ضمنها‏,‏ وإن كان ممّا يبقى بعلاج أو غيره ففي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏لقطة‏)‏‏.‏

مدّة الهدنة

19 - اختلف الفقهاء في مدّة موادعة أهل الحرب ومهادنتهم على أقوالٍ تنظر في‏:‏ ‏(‏هدنة‏)‏‏.‏

مدّة الأمان

20 - يشترط الشّافعيّة في مدّة الأمان أن لا تزيد عن أربعة أشهرٍ في القول الصّحيح عندهم‏,‏ وفي قولٍ‏:‏ يجوز الأمان ما لم يبلغ سنةً‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ مستأمن‏)‏‏.‏

مدّة تحجير الأرض للبناء

21 - إذا احتجر أرضاً للبناء ولم يبن مدّةً يمكن البناء فيها ولا أحياها بغير ذلك بطل حقه فيها‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ بناء ف 12‏,‏ وإحياء الموات ف 16‏)‏‏.‏

مدّة الحضانة

22 - اختلف الفقهاء في مدّة الحضانة بالنّسبة لكلّ من الذّكر والأنثى‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏حضانة ف 19‏)‏‏.‏

مدّة جواز نفي الولد

23 - اختلف الفقهاء في قدر المدّة الّتي يجوز فيها نفي الولد‏:‏

فقال الشّافعيّة - في القول الجديد - والحنابلة‏:‏ إنّها على الفور‏,‏ فلا يجوز التّأخير إلا لعذر وبما جرت به العادة‏,‏ لأنّه شرع لدفع ضررٍ محقّقٍ فكان على الفور كالرّدّ بالعيب‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إذا نفى الرّجل ولد امرأته عقيب الولادة أو في الحال الّتي يقبل التّهنئة ويبتاع آلة الولادة صحّ نفيه ولاعن به‏,‏ وإن نفاه بعد ذلك‏,‏ لاعن ويثبت النّسب‏,‏ ولو كان غائباً عن امرأته ولم يعلم بالولادة حتّى قدم له النّفي عند أبي حنيفة مقدار ما تقبل التّهنئة‏,‏ وقالا‏:‏ في مقدار مدّة النّفاس بعد القدوم‏,‏ لأنّ النّسب لا يلزم إلا بعد العلم به‏,‏ فصارت حالة القدوم كحالة الولادة‏.‏

مدّة حبس الجلالة

24 - اختلف الفقهاء في مدّة حبس الجلالة‏,‏ فقال البعض‏:‏ تحبس النّاقة أربعين يوماً‏,‏ والبقرة ثلاثين‏,‏ والشّاة سبعةً‏,‏ والدّجاجة ثلاثةً‏,‏ وقيل‏:‏ غير ذلك‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏جلالة ف 3‏)‏‏.‏

مُدَرِّس

التّعريف

1 - المدرّس اسم فاعلٍ‏:‏ من فعل‏:‏ درّس - مضعّفاً - يقال‏:‏ درّس يدرّس تدريساً‏:‏ إذا علم‏,‏ والمدرّس‏:‏ المعلّم‏,‏ والكثير الدّرس والتّلاوة في الكتاب‏,‏ ويقال‏:‏ درست العلم‏:‏ قرأته‏,‏ ودرست الكتاب درساً أي ذلّلته بكثرة القراءة حتّى خفّ حفظه عليّ‏.‏

ودرست الرّيحُ الأثرَ والرّسم‏:‏ محته‏,‏ ويقال‏:‏ درس الشّيء والرّسم‏:‏ عفا وانمحى‏,‏ ويقال‏:‏ درّس النّاقة‏:‏ راضها حتّى انقادت وسهل قودها‏.‏

ومنه تسمية التّعليم تدريساً والمعلّم مدرّساً‏,‏ كأنّ الكتاب يعاند الطّالب فيذلّل له المعلّم حتّى يسهل حفظه‏,‏ كأنّه راضه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

المعيد‏:‏

2 - المعيد‏:‏ هو الّذي يعيد للطّلبة الدّرس الّذي قرءوه على المدرّس ليستوضحوه أو يتفهّموا ما أشكل‏.‏

والصّلة بينهما هي أنّ المعيد عليه قدر زائد على سماع الدّرس من تفهيم الطّلبة ونفعهم وعمل ما يقتضيه لفظ الإعادة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمدرّس

وظيفة المدرّس

3 - وظيفة المدرّس وهي التّعليم‏,‏ من آكد فروض الكفايات وأعظم العبادات‏,‏ وأمور الدّين‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تعلم وتعليم ف 5 وما بعدها‏)‏‏.‏

استحقاق المدرّس غلّة الوقف

4 - قال الحنابلة‏:‏ إذا وقف واقف شيئاً على المشتغلين بالعلم استحقّ من اشتغل به فإن ترك الاشتغال زال استحقاقه، فإن عاد إلى الاشتغال عاد استحقاقه‏,‏ لأنّ الحكم يدور مع علّته وجوداً وعدماً‏,‏ وإن شرط الواقف في الصّرف نصّب النّاظر للمستحقّ كالمدرّس والمعيد والمتفقّهة أي الطّلبة بالمدرسة مثلاً فلا إشكال في توقف الاستحقاق على نصب النّاظر للمدرّس ونحوه عملاً بالشّرط‏,‏ وإن لم يشترط الواقف نصب النّاظر للمستحقّ بل قال‏:‏ ويصرف النّاظر إلى مدرّسٍ أو معيدٍ أو متفقّهةٍ بالمدرسة لم يتوقّف الاستحقاق على نصب النّاظر ولا الإمام‏,‏ بل لو انتصب مدرّس أو معيد بالمدرسة وأذعن له الطّلبة بالاستفادة وتأهّل لذلك استحقّ ولم يجز منازعته لوجود الوصف المشروط أي التّدريس والإعادة‏,‏ وكذا لو قام طالب بالمدرسة متفقّهاً - ولو لم ينصبه ناصب - استحقّ لوجود التّفقه‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّ المدرّس في المدرسة من الشّعائر كالإمام في المسجد‏,‏ والشّعائر عندهم هي‏:‏ ما لا تنتظم مصلحة الوقف بدونه، كعمارة الوقف‏,‏ والإمام في المسجد والمدرّس في المدرسة‏,‏ فيقدّم في صرف الغلّة عمارة الوقف‏,‏ ثمّ ما هو أقرب إلى العمارة وأعم للمصلحة كالإمام في المسجد والمدرّس في المدرسة‏,‏ فيصرف إليهما بقدر كفايتهم‏.‏

وقال صاحب البحر الرّائق‏:‏ وظاهره تقديم الإمام والمدرّس على جميع المستحقّين بلا شرطٍ‏,‏ والتّسوية بالعمارة يقتضي تقديمهما عند شرط الواقف‏:‏ أنّه إذا ضاق ريع الوقف قسم عليهم الرّيع بالحصّة‏,‏ وإنّ هذا الشّرط لا يعتبر‏.‏

وتقديم المدرّس على سائر المستحقّين إنّما يكون بشرط ملازمته للمدرسة للتّدريس الأيّام المشروطة في كلّ أسبوعٍ‏,‏ لهذا قال‏:‏ للمدرسة‏,‏ لأنّه إذا غاب المدرّس تعطّلت المدرسة من الشّعائر‏,‏ بخلاف مدرّس المسجد فإنّ المسجد لا يتعطّل بغيبة المدرّس‏.‏

تدريس المدرّس في مدرستين

5 - إذا كان المدرّس يدرّس بعض النّهار في مدرسةٍ وبعض النّهار في أخرى‏,‏ ولا يعلم شرط الواقف يستحق المدرّس في المدرستين عطاءه من غلّة الوقف‏.‏

أمّا إذا كان يدرّس في بعض الأيّام في هذه المدرسة وبعضها في أخرى لا يستحق غلّتيهما بتمامها‏,‏ وإنّما يستحق بقدر عمله في كلّ مدرسةٍ‏.‏

استحقاق المدرّس ما رتّب له يوم البطالة

6 - قال الحنفيّة‏:‏ إنّه ينبغي إلحاق المدرّس بالقاضي في أخذ ما رتّب له يوم بطالته واختلفوا فيها‏,‏ وإن صحّ أنّه يأخذ لأنّها للاستراحة‏,‏ وفي الحقيقة تكون للمطالعة والتّحرير‏,‏ وفصّل البيري من الحنفيّة المسألة‏:‏ فقال إن كان الواقف قد قدّر للمدرّس كلّ يومٍ درّس فيه مبلغاً فلم يدرّس يوم الجمعة والثلاثاء فلا يحل له أن يأخذ المبلغ‏,‏ ويصرف أجر هذين اليومين إلى مصارف المدرسة من المرمّة وغيرها‏,‏ بخلاف ما إذا لم يقدّر لكلّ يومٍ مبلغاً فإنّه يحل له الأخذ وإن لم يدرّس فيهما للعرف‏,‏ بخلاف غيرهما من أيّام الأسبوع حيث لا يحل له أخذ الأجر عن يومٍ لم يدرّس فيه مطلقاً‏,‏ سواء قدّر له أجر كلّ يومٍ أو لا‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ هذا ظاهر فيما إذا قدّر لكلّ يومٍ درّس فيه مبلغاً‏,‏ أمّا لو قال‏:‏ يعطى المدرّس كلّ يومٍ كذا فينبغي أن يعطى ليوم البطالة المتعارفة‏.‏

وقال أبو اللّيث‏:‏ ومن يأخذ الأجر من طلبة العلم في يومٍ لا درس فيه أرجو أن يكون جائزاً‏.‏ وفي الحاوي‏:‏ إذا كان مشتغلاً بالكتابة والتّدريس‏.‏

وإن شرط الواقف على المدرّسين حضور الدّرس في المدرسة أيّاماً معلومةً في كلّ أسبوعٍ‏,‏ فإنّه لا يستحق العطيّة إلا من باشر التّدريس‏,‏ خصوصاً إذا قال الواقف‏:‏ من غاب عن المدرسة تقطع عطيّته‏,‏ ولا يجوز للنّاظر صرفه إليه أيّام غيبته اتّباعاً لشرط الواقف‏,‏ وعلى هذا لو شرط الواقف‏:‏ إن زادت غيبته عن مدّةٍ حدّدها أخرجه النّاظر وقرّر غيره‏:‏ اتّبع شرطه‏,‏ فإن لم يعزله النّاظر وباشر لم يستحقّ العطيّة وإذا لم يدرّس المدرّس لعدم وجود طلبةٍ في المدرسة‏:‏ إن فرّغ نفسه للتّدريس بأن يحضر المدرسة المعيّنة لتدريسه استحقّ العطيّة‏.‏

شروط المدرّس

7 - يشترط في استحقاق المدرّس في العطيّة الشروط التّالية‏:‏

أ - أن يكون أهلاً للتّدريس‏,‏ فإن لم يكن صالحاً للتّدريس فلا يعطى عطيّة المدرّس‏,‏ ولا يحل له تناولها‏,‏ ولا يستحق المتفقّهون المنزلون في المدرسة العطيّة‏,‏ لأنّ مدرستهم شاغرة عن المدرّس‏,‏ ولا يجوز للسلطان تنصيب مدرّسٍ ليس بأهل للتّدريس ولا يصح تنصيبه‏,‏ لأنّ تصرف السلطان مقيّد بالمصلحة ولا مصلحة في تنصيب غير الأهل للتّدريس‏.‏ والّذي يظهر أنّ الأهليّة بمعرفة منطوق الكلام ومفهومه وبمعرفة المفاهيم‏.‏

ب - أن تكون له سابقة اشتغالٍ على المشايخ بحيث صار يعرف الاصطلاحات‏,‏ ويقدر على أخذ المسائل من الكتب‏.‏

ج - أن تكون له قدرة على أن يسأل ويجيب إذا سئل‏,‏ ويتوقّف ذلك على سابق اشتغالٍ بالنّحو والصّرف بحيث صار يعرف الفاعل من المفعول إلى غير ذلك من مبادئ القواعد العربيّة‏,‏ وإذا قرأ لا يلحن‏,‏ وإذا لحن قارئ بحضرته ردّ عليه‏.‏

عزل المدرّس

8 - نقل ابن عابدين عن البحر‏:‏ استفيد من عدم صحّة عزل النّاظر بلا جنحةٍ عدمها لصاحب وظيفةٍ في وقفٍ بغير جنحةٍ وعدم أهليّةٍ‏,‏ واستدلّ على ذلك بمسألة غيبة المتعلّم من أنّه لا يؤخذ حجرته ووظيفته على حالها إذا كانت غيبته لا تزيد على ثلاثة أشهرٍ‏,‏ فهذا مع الغيبة فكيف الحضرة والمباشرة‏.‏

وقال ابن نجيم - بعد ذكر حكم عزل الواقف النّاظر -‏:‏ ولم أر حكم عزل الواقف للمدرّس والإمام اللّذين ولاهما ولا يمكن إلحاقه بالنّاظر‏,‏ لتعليلهم لصحّة عزله بكونه وكيلاً عنه‏,‏ وليس صاحب الوظيفة وكيلاً عن الواقف‏,‏ ولا يمكن منعه عن العزل مطلقاً‏,‏ لعدم الاشتراط في أصل الإيقاف‏,‏ لكونهم جعلوا له نصب الإمام والمؤذّن بلا شرطٍ‏.‏

وأفتى السبكي‏,‏ وهو مقتضى قول النّوويّ كما قال الشّربيني الخطيب‏:‏ بأنّه يجوز للواقف وللنّاظر الّذي من جهته عزل المدرّس ونحوه إذا لم يكن مشروطاً في الوقف لمصلحة ولغير مصلحةٍ لأنّه كالوكيل المأذون له في إسكان هذه الدّار لغيره‏,‏ فله أن يسكنها من شاء من الفقراء‏,‏ وإذا سكنها فقير مدّةً فله أن يخرجه ويسكن غيره لمصلحة ولغير مصلحةٍ‏.‏

وقال البلقيني‏:‏ عزل النّاظر من غير مسوّغٍ لا ينفذ ويكون قادحاً في نظره‏.‏

وقال الزّركشي في خادمه‏:‏ لا يبعد أن ينفذ وإن كان عزله غير جائزٍ‏,‏ وقال في شرحه على المنهاج في باب القضاء‏:‏ لا ينعزل أصحاب الوظائف الخاصّة كالإمامة والإقراء والتّصوف والتّدريس والطّلب والنّظر من غير سببٍ كما أفتى به كثير من المتأخّرين منهم ابن رزينٍ فقال‏:‏ من تولّى تدريساً لا يجوز عزله بمثله ولا بدونه ولا ينعزل بذلك‏.‏

قال الشّربيني الخطيب‏:‏ وهذا هو الظّاهر‏.‏

مَدْرسة

التّعريف

أ - المدرسة في اللغة‏:‏ موضع الدّرس‏,‏ قال الرّاغب‏:‏ درست العلم‏:‏ تناولت أثره بالحفظ‏,‏ ولمّا كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبّر عن إدامة القراءة بالدّرس‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ‏}‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمدرسة

تتعلّق بالمدرسة أحكام منها‏:‏

أ - جمع الصّلاة للمنقطعين في مدرسةٍ‏:‏

2 - قال المالكيّة‏:‏ ممّن لا يجمع بين الصّلوات جماعة لا مشقّة عليهم في فعل كلّ صلاةٍ في وقتها المختار‏,‏ كأهل الزّوايا والربط‏,‏ والمنقطعين بمدرسة إلا تبعاً لمن يأتي للصّلاة معهم من إمامٍ أو غيره‏,‏ ومحل هذا إذا لم يكن لهم منزل ينصرفون إليه وإلا ندب لهم الجمع استقلالاً‏,‏ وأفتى الإسناوي‏:‏ بأنّ أهل المدارس المجاورة للمسجد يندب لهم الجمع في المسجد استقلالاً لما ثبت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جمع إماماً وحجرته ملتصقة بالمسجد ولها خوخة إليه‏.‏

ب - الوقف على المدارس‏:‏

3 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الوقف على غير معيّنٍ كالعلماء والغزاة والمساكين‏,‏ أو على جهةٍ لا يتصوّر منها القبول كالمدارس والمساجد وما شابه ذلك لا يفتقر إلى قبولٍ من النّاظر‏,‏ أو من المستحقّين لغلّته‏,‏ لتعذر ذلك‏,‏ ولأنّه لو اشترط القبول لامتنع صحّة الوقف عليه‏.‏

4 - وقال جمهور الفقهاء‏:‏ ينتقل ملك الموقوف على المدرسة ونحوها كالمسجد والرّباط والقنطرة إلى اللّه تعالى بمجرّد الوقف‏,‏ قال البهوتي‏:‏ ينتقل ملك العين الموقوفة بمجرّد الوقف إلى اللّه إن كان الوقف على مسجدٍ ونحوه كمدرسة وما أشبه ذلك‏.‏ قال الحارثي‏:‏ بلا خلافٍ‏,‏ وقال الشّربيني الخطيب‏:‏ ولو جعل البقعة مسجداً‏,‏ أو مقبرةً انفكّ عنها اختصاص الآدميّ قطعاً‏,‏ ومثلها الرّباط والمدرسة ونحوهما‏.‏

وخالف في ذلك المالكيّة حيث قالوا‏:‏ إنّ الذّات الموقوفة باقية على ملك الواقف وإن كان ممنوعاً من التّصرف فيها بالبيع ونحوه‏,‏ وليس للموقوف عليه إلا المنفعة المعطاة من غلّةٍ أو عملٍ‏,‏ لأنّ الوقف هو إعطاء المنفعة‏,‏ وقيل‏:‏ إلا في المساجد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ‏}‏‏,‏ لكنّ الرّاجح الأوّل‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏وقف‏,‏ مسجد‏)‏‏.‏

5 - واتّفق الفقهاء على أنّ الوقف على المدرسة جهة قربةٍ‏.‏ لعموم الأدلّة‏.‏ وعليه فالوقف على المدرسة صحيح بلا خلافٍ حتّى عند من يشترط لصحّة الوقف ظهور قصد القربة فيه كالحنفيّة والحنابلة‏,‏ أمّا المالكيّة والشّافعيّة فلا يشترط عندهم ذلك بل الشّرط عندهم أن لا يكون على جهة معصيةٍ كعمارة الكنائس ونحوه‏.‏

6 - واتّفق الفقهاء على أنّه إذا وقف الواقف مدرسةً وشرط في وقفها اختصاصها بطائفة أو بأهل مذهبٍ كالشّافعيّة والحنابلة‏,‏ أو بأهل بلدٍ‏,‏ أو قريةٍ أو بأفراد قبيلةٍ معيّنةٍ أو نحو ذلك خصّت بهم إعمالاً للشّرط‏,‏ لأنّ نصوص الواقف كنصوص الشّرع وشرط الواقف كنصّ الشّارع‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ أي في المفهوم والدّلالة ووجوب العمل به ما لم تخالف الشّرع‏,‏ لأنّه مالك‏,‏ فله أن يجعل ماله حيث شاء‏,‏ وله أن يخصّه بصنف من الأصناف أو بجهة من الجهات ما لم تكن معصيةً‏,‏ وما لم يقع الاختصاص بِنَقَلَةِ بدعةٍ‏,‏ قاله الحارثي من الحنابلة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

ج - في الوصيّة‏:‏

7 - قال الشّافعيّة‏:‏ تصح الوصيّة لعمارة مسجدٍ أو مصالحه إنشاءً وترميماً لأنّه قربة‏,‏ وفى معنى المسجد المدرسة ونحوها‏.‏

د - في الارتفاق‏:‏

8 - قال الشّافعيّة‏:‏ لو سبق فقيه إلى مدرسةٍ لم يزعج منها سواء أذن له الإمام أم لا‏,‏ ولم يبطل حقه بخروجه لشراء حاجةٍ ونحوه‏,‏ سواء أخلف فيه غيره أم متاعه أم لا‏,‏ بخلاف ما إذا خرج لغير حاجةٍ‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن سبق اثنان فأكثر إلى مدرسةٍ ونحوها‏,‏ ولم يتوقّف فيها على تنزيل ناظرٍ‏,‏ وضاق المكان عن انتفاعهم جميعهم أقرع بينهم‏,‏ لأنّهم استووا في السّبق‏,‏ والقرعة مميّزة‏.‏

هـ - بناء المدرسة بآلة المسجد‏:‏

9 - نصّ الحنابلة على أنّه لا يعمّر بآلة المسجد مدرسة‏,‏ ولا رباط‏,‏ ولا بئر‏,‏ ولا حوض‏,‏ ولا قنطرة‏,‏ وكذا آلات كلّ واحدٍ من هذه الأمكنة لا يعمّر بها ما عداها‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏مسجد‏,‏ وقف‏)‏‏.‏

مُدْرِك

التّعريف

1 - المدرِك - بكسر الرّاء - في اللغة اسم فاعلٍ من أدرك الرّجل إذا لحقه‏,‏ وتدارك القوم‏:‏ لحق آخرهم أوّلهم‏,‏ ومنه قوله تعالى في التّنزيل‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً‏}‏‏.‏

والمدرك اصطلاحاً‏:‏ هو الّذي أدرك الإمام بعد تكبيرة الإحرام‏.‏

قال الحصكفي‏:‏ المدرك هو من صلّى الصّلاة كاملةً مع الإمام‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ أي أدرك جميع ركعاتها معه‏,‏ سواء أدرك معه التّحريمة أو أدركه في جزءٍ من ركوع الرّكعة الأولى إلى أن قعد معه القعدة الأخيرة‏,‏ سواء سلّم معه أو قبله‏.‏

كما يطلق الفقهاء لفظ المدرك على من أدرك جزءاً من الصّلاة في الوقت‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المسبوق‏:‏

2 - المسبوق في اللغة اسم مفعولٍ من السّبق‏,‏ وأصله التّقدم‏.‏

وفي الاصطلاح قال الجرجاني‏:‏ هو الّذي أدرك الإمام بعد ركعةٍ أو أكثر‏.‏

وعرّفه الشّافعيّة بأنّه‏:‏ هو الّذي لم يدرك مع الإمام محلّ قراءة الفاتحة المعتدلة‏.‏

والصّلة بين المدرك والمسبوق‏:‏ أنّ كلاً منهما مقتدٍ بالإمام‏,‏ غير أنّ المدرك مقتدٍ في الصّلاة كلّها والمسبوق مقتدٍ في بعضها‏.‏

ب - اللاحق‏:‏

3 - اللاحق في اللغة‏:‏ اسم فاعلٍ من لحق‏,‏ يقال‏:‏ لحقت به ألحق لحاقاً‏:‏ أدركته‏.‏

وفي الاصطلاح عرّفه الحنفيّة - وهو اصطلاح خاص بهم - بأنّه‏:‏ من فاتته الرّكعات كلها أو بعضها بعد اقتدائه بعذر كغفلة وزحمةٍ‏,‏ وسبق حدثٍ ونحوها‏,‏ أو بغير عذرٍ بأن سبق إمامه في ركوعٍ وسجودٍ‏.‏

والصّلة بين المدرك واللاحق‏:‏ أنّ المدرك لم يفته شيء من الصّلاة مع الإمام‏,‏ أمّا اللاحق فقد فاتته الرّكعات كلها أو بعضها مع الإمام‏.‏

ما يتعلّق بالمدرك من أحكامٍ

أوّلاً‏:‏ المدرك لوقت الصّلاة بعد زوال الأسباب المانعة

4 - اختلف الفقهاء في وجوب الصّلاة على المدرك لوقتها بعد زوال الأسباب المانعة لوجوبها بأقلّ من ركعةٍ وهى‏:‏ الحيض والنّفاس‏,‏ والكفر والصّبا‏,‏ والجنون والإغماء‏,‏ والنّسيان والسّفر والإقامة‏,‏ ونحو ذلك‏.‏

ولا خلاف بين جمهور الفقهاء في أنّه إذا زالت هذه الأعذار‏,‏ كأن طهرت الحائض والنفساء‏,‏ وأسلم الكافر‏,‏ وبلغ الصّبي‏,‏ وأفاق المجنون والمغمى عليه‏,‏ وتذكّر النّاسي‏,‏ واستيقظ النّائم‏,‏ وقد بقي من وقت الصّلاة قدر ركعةٍ أو أكثر وجب عليه أداء تلك الصّلاة لحديث‏:‏ «من أدرك ركعةً من الصبح قبل أن تطلع الشّمس فقد أدرك الصبح‏,‏ ومن أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشّمس فقد أدرك العصر»‏,‏ ولحديث‏:‏ «من أدرك ركعةً من الصّلاة فقد أدرك الصّلاة»‏,‏ ولم يخالفهم في هذا إلا زفر حيث قال‏:‏ لا يجب عليه أداء تلك الصّلاة إلا إذا بقي من الوقت مقدار ما يؤدّي فيه الفرض لأنّ وجوب الأداء يقتضي تصور الأداء‏,‏ وأداء كلّ الفرض في هذا القدر لا يتصوّر‏,‏ فاستحال وجوب الأداء‏.‏

قال الكاساني‏:‏ وهو اختيار القدوريّ من الحنفيّة‏.‏

وأمّا إذا أدرك أقلّ من ركعةٍ فاختلف جمهور الفقهاء‏,‏ فقال الحنفيّة - عدا زفر ومن معه - والشّافعيّة في الرّاجح عندهم والحنابلة‏:‏ إذا زالت الأسباب المانعة من وجوب الصّلاة‏,‏ وقد بقي من وقت الصّلاة قدر تكبيرة الإحرام أو أكثر وجبت الصّلاة‏,‏ لأنّ الصّلاة لا تتجزّأ‏,‏ فإذا وجب البعض وجب الكل‏,‏ فإذا لم يبق من الوقت إلا قدر ما يسع التّحريمة وجبت التّحريمة‏,‏ ثمّ تجب بقيّة الصّلاة لضرورة وجوب التّحريمة فيؤدّيها في الوقت المتّصل به‏,‏ ولأنّ القدر الّذي يتعلّق به الوجوب يستوي فيه قدر الرّكعة ودونها‏,‏ كما أنّ المسافر إذا اقتدى بمتمّ في جزءٍ من صلاته يلزمه الإتمام‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّه لا يشترط لوجوب الصّلاة أن يدرك مع التّكبيرة قدر الطّهارة على الأظهر‏,‏ ولكن يشترط بقاء السّلامة من الموانع بقدر فعل الطّهارة والصّلاة أخف ما يمكن‏,‏ فلو عاد المانع قبل ذلك كأن بلغ ثمّ جنّ لم تجب الصّلاة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ ما يتعلّق من الوجوب بمقدار التّحريمة في حقّ الحائض هو إذا كانت أيّامها عشراً‏,‏ فأمّا إذا كانت أيّامها دون العشرة فإنّما تجب عليها الصّلاة إذا طهرت وعليها من الوقت مقدار ما تغتسل فيه‏,‏ فإن كان عليها من الوقت ما لا تستطيع أن تغتسل فيه‏,‏ أو لا تستطيع أن تتحرّم للصّلاة فيه فليس عليها تلك الصّلاة‏,‏ حتّى لا يجب عليها القضاء‏.‏ والفرق أنّ أيّامها إذا كانت أقلّ من عشرةٍ لا يحكم بخروجها من الحيض بمجرّد انقطاع الدّم ما لم تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاةٍ تصير تلك الصّلاة ديناً عليها‏,‏ وإذا كانت أيّامها عشرةً بمجرّد الانقطاع يحكم بخروجها من الحيض‏,‏ فإذا أدركت جزءاً من الوقت يلزمها قضاء تلك الصّلاة‏,‏ سواء تمكّنت من الاغتسال أو لم تتمكّن‏,‏ بمنزلة كافرٍ أسلم وهو جنب أو صبيٍّ بلغ بالاحتلام في آخر الوقت فعليه قضاء تلك الصّلاة‏,‏ سواء تمكّن من الاغتسال في الوقت أو لم يتمكّن‏.‏

وذهب المالكيّة وهو قول عند الشّافعيّة إلى أنّه إذا ارتفعت الأسباب المانعة لوجوب الصّلاة وقد بقي من الوقت ما يسع أقلّ من ركعةٍ لم تجب الصّلاة‏,‏ فيشترط عندهم أن يدرك بعد ارتفاع الأعذار قدر ركعةٍ أخفّ ما يقدر عليه أحد‏,‏ لمفهوم حديث‏:‏ «من أدرك ركعةً من الصبح قبل أن تطلع الشّمس فقد أدرك الصبح»‏,‏ ولأنّه إدراك تعلّق به إدراك الصّلاة فلم يكن بأقلّ من ركعةٍ‏.‏

كما أنّ الجمعة لا تدرك إلا بركعة‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ يعتبر إدراك أصحاب الأعذار بعد زوال الأعذار ومقدار فعل الطّهارة‏,‏ وقال ابن القاسم منهم‏:‏ لا تعتبر الطّهارة في الكافر‏,‏ أمّا الشّافعيّة فلا يشترط عندهم أن يدرك مع الرّكعة قدر الطّهارة على الأظهر‏,‏ فإن لم يبق من الوقت عقب زوال العذر زمن يسع الوضوء إن كان حدثه أصغر‏,‏ أو الغسل إن كان حدثه أكبر - زيادةً على زمن الرّكعة - لم تجب الصّلاة عند المالكيّة‏.‏

ثانياً‏:‏ وجوب الظهر بإدراك العصر‏,‏ ووجوب المغرب بإدراك وقت العشاء

5 - ذهب الشّافعيّة في الأظهر والحنابلة وهو قول جماعةٍ من السّلف إلى أنّه إذا ارتفعت الأسباب المانعة لوجوب الصّلاة في وقت صلاة العصر‏,‏ أو في وقت صلاة العشاء وجبت صلاة الظهر في الصورة الأولى وصلاة المغرب في الثّانية‏,‏ فإذا أسلم الكافر أو بلغ الصّبي قبل أن تغرب الشّمس وجب عليهما صلاة الظهر والعصر‏,‏ وإن بلغ الصّبي أو أسلم الكافر أو طهرت الحائض والنفساء قبل أن يطلع الفجر وجب على كلٍّ منهم صلاة المغرب بالإضافة إلى صلاة العشاء‏,‏ لما روي عن عبد الرّحمن بن عوفٍ وعبد اللّه بن عبّاسٍ رضي الله عنهم قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة تصلّي المغرب والعشاء‏,‏ فإذا طهرت قبل أن تغرب الشّمس صلّت الظهر والعصر جميعاً‏,‏ ولأنّ وقت الثّانية وقت الأولى حال العذر‏,‏ فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمه فرض الثّانية‏.‏

وهذا في الجملة‏,‏ إلا أنّهم اختلفوا في القدر الّذي يدرك به الثّانية‏:‏

فذهب الشّافعيّة في الأظهر والحنابلة إلى وجوب الظهر مع العصر بإدراك قدر تكبيرةٍ آخر وقت العصر‏,‏ ووجوب المغرب مع العشاء بإدراك ذلك آخر وقت العشاء‏,‏ لاتّحاد وقتي الظهر والعصر‏,‏ ووقتي المغرب والعشاء في العذر‏,‏ ففي الضّرورة أولى‏,‏ ولأنّ الثّانية تجب بإدراك هذا القدر فوجبت به الأولى‏,‏ ولأنّه إدراك فاستوى فيه القليل والكثير‏,‏ كإدراك المسافر صلاة المقيم‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا ارتفعت الأعذار وهي الحيض والنّفاس والجنون والإغماء والكفر والصّبا والنّسيان وقد بقي من الوقت - أي وقت الثّانية - ما يسع أقلّ من ركعةٍ سقطت الصّلاتان‏,‏ وإن بقي من الوقت ما يسع ركعةً فأكثر إلى تمام صلاةٍ واحدةٍ - إمّا تامّةً في الحضر‏,‏ وإمّا مقصورةً في السّفر - وجبت الأخيرة وسقطت الأولى‏,‏ وإن بقي زيادة إلى ذلك بمقدار ركعةٍ من الصّلاة الأخرى - إمّا تامّةً حضريّةً‏,‏ وإمّا مقصورةً سفريّةً - وجبت الصّلاتان‏.‏

قالوا‏:‏ وبيان ذلك‏:‏ أنّه إذا طهرت الحائض أو أفاق المجنون أو بلغ الصّبي أو أسلم الكافر وقد بقي إلى غروب الشّمس خمس ركعاتٍ في الحضر‏,‏ وثلاث في السّفر وجبت عليهم الظهر والعصر‏,‏ وإن بقي أقل من ذلك إلى ركعةٍ وجبت العصر وحدها‏,‏ وإن بقي أقل من ركعةٍ سقطت الصّلاتان‏,‏ وفي المغرب والعشاء إن بقي إلى طلوع الفجر بعد ارتفاع الأعذار خمس ركعاتٍ وجبت الصّلاتان‏,‏ وإن بقي ثلاث سقطت المغرب مطلقاً على المذهب في السّفر والحضر‏,‏ وعند ابن الحكم وسحنونٍ تسقط المغرب حال الإقامة ولا تسقط في السّفر وإن بقي أربع فعلى المذهب تلزمه الصّلاتان‏,‏ وقيل‏:‏ تسقط المغرب‏,‏ لأنّه أدرك قدر العشاء خاصّةً‏.‏

وأمّا مقابل الأظهر لدى الشّافعيّة فإنّه لا تجب الظهر والمغرب بإدراك قدر تكبيرةٍ في آخر وقت العصر والعشاء‏,‏ بل لا بدّ من زيادة أربع ركعاتٍ للظهر في المقيم‏,‏ وركعتين للمسافر‏,‏ وثلاثٍ للمغرب على التّكبيرة على القول الأوّل‏,‏ وعلى ركعةٍ على القول الثّاني‏,‏ لأنّ جمع الصّلاتين الملحق به إنّما يتحقّق إذا تمّت الأولى وشرع في الثّانية في الوقت‏.‏ وذهب الحنفيّة والحسن البصري والثّوري إلى أنّه‏:‏ لا تجب على المدرك إلا الصّلاة الّتي أدركها‏,‏ لأنّ وقت الأولى خرج في حال عذره فلم تجب‏,‏ كما لو لم يدرك من وقت الثّانية شيئاً‏.‏

ثالثاً‏:‏ حصول العذر للمدرك قبل فعل الفرض

6 - اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة بناءً على أنّ الصّلاة هل تجب في أوّل الوقت أو في آخره ‏؟‏

فمنهم من يرى أنّها تجب في أوّل الوقت وهم الشّافعيّة والحنابلة‏,‏ فكلّما دخل الوقت أو مضى منه ما يسع لأداء الفرض - على اختلافٍ بينهم - وجب عليه القضاء‏.‏

فقال الشّافعيّة‏:‏ لو حاضت المرأة أو نفست أوّل الوقت‏,‏ أو طرأ على المكلّف جنون أو إغماء في أوّل الوقت‏,‏ واستغرق هذا المانع بقيّة الوقت‏,‏ فإن أدرك من الوقت قبل حدوث المانع قدر الفرض وقدر طهرٍ لا يصح تقديمه على الوقت كتيمم وجبت عليه تلك الصّلاة‏,‏ فيقضيها عند زوال العذر‏,‏ لأنّها تجب في ذمّته ولا تسقط بما طرأ بعد وجوبها‏,‏ كما لو هلك النّصاب بعد تمام الحول وإمكان الأداء‏,‏ فإنّ الزّكاة لا تسقط به‏,‏ ويجب الفرض الّذي قبلها أيضاً‏,‏ إن كان يجمع معها وأدرك قدره لتمكنه من فعلها‏,‏ ولا تجب الصّلاة الثّانية الّتي تجمع معها إذا خلا من الموانع ما يسعها‏,‏ لأنّ وقت الأولى لا يصلح للثّانية إلا إذا صلاهما جمعاً بخلاف العكس‏,‏ وأيضاً وقت الأولى في الجمع وقت للثّانية تبعاً بخلاف العكس‏,‏ بدليل عدم وجوب تقديم الثّانية في جمع التّقديم وجواز تقديم الأولى‏,‏ بل وجوبه على وجهٍ في جمع التّأخير‏.‏

أمّا الطّهارة الّتي يمكن تقديمها على الوقت فلا يعتبر مضي زمنٍ يسعها‏.‏

وإن لم يدرك من الوقت قدر فعل الفرض وما يتعلّق به فلا وجوب في ذمّته لعدم التّمكن من فعلها‏,‏ لأنّه لم يدرك من وقتها ما يمكنه أن يصلّي فيه‏,‏ كما لو طرأ العذر قبل دخول الوقت‏,‏ وكما لو هلك النّصاب قبل التّمكن من الأداء وهذا اختيار أبي عبد اللّه بن بطّة من الحنابلة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لو أدرك جزءاً من وقت الصّلاة ثمّ جنّ أو حاضت المرأة لزم القضاء - بعد زوال العذر - لأنّها صلاة وجبت عليه‏,‏ فوجب قضاؤها إذا فاتته كالّتي أمكن أداؤها‏,‏ وفارقت الّتي طرأ العذر قبل دخول وقتها‏:‏ فإنّها لم تجب‏,‏ وقياس الواجب على غيره غير صحيحٍ‏,‏ قالوا‏:‏ وإن أدرك المكلّف من وقت الأولى من صلاتي الجمع قدراً تجب به ثمّ جنّ‏,‏ أو كانت امرأة فحاضت أو نفست ثمّ زال العذر بعد وقتها لم تجب الثّانية في إحدى الرّوايتين‏,‏ ولا يجب قضاؤها‏.‏

وهذا اختيار ابن حامدٍ والأخرى‏:‏ يجب ويلزم قضاؤها‏,‏ لإنّها إحدى صلاتي الجمع فوجبت بإدراك جزءٍ من وقت الأخرى كالأولى‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ حدوث العارض أو العذر بعد إدراك الوقت وقبل فعل الصّلاة يسقط الفرض‏,‏ وعلّل الحنفيّة ذلك بأنّ الصّلاة لا تجب في أوّل الوقت على التّعيين‏,‏ وإنّما تجب في جزءٍ من الوقت غير معيّنٍ‏,‏ وإنّما التّعيين إلى المصلّي من حيث الفعل‏,‏ حتّى أنّه إذا شرع في أوّل الوقت تجب في أوّل الوقت‏,‏ وكذا إذا شرع في وسطه أو في آخره فتجب في وسطه أو آخره‏,‏ فإذا لم يعيّن بالفعل حتّى بقي من الوقت مقدار ما يسع أداء الفرض تعيّن ذلك الوقت للأداء فعلاً‏.‏

قالوا‏:‏ فإذا حاضت المرأة أو نفست في آخر الوقت أو جنّ العاقل أو أغمي عليه أو ارتدّ المسلم والعياذ باللّه‏,‏ وقد بقي من الوقت ما يسع الفرض لا يلزمهم الفرض‏,‏ لأنّ الوجوب يتعيّن في آخر الوقت إذا لم يوجد الأداء قبله فيستدعي الأهليّة فيه لاستحالة الإيجاب على غير الأهل ولم يوجد‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ المدرك لوقت الصّلاة إن حصل له عذر كالجنون والإغماء والحيض والنّفاس غير النّوم والنّسيان - قبل أداء الصّلاة - وقد بقي من طلوع الشّمس مثلاً ركعة سقط الصبح‏,‏ وإن حصل والباقي للغروب أو طلوع الفجر ما يسع أولى المشتركتين كالظهر والعصر أو المغرب والعشاء وركعةً من ثانيتهما سقطتا‏,‏ وإن كان أقلّ من هذا أسقط الثّانية فقط‏.‏

ولا يقدّر الطهر في الإسقاط على المعتمد خلافاً للّخميّ‏.‏

رابعاً‏:‏ ما تدرك به الجماعة والجمعة

7 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا أدرك المأموم الإمام وهو راكع وكبّر وهو قائم ثمّ ركع‏,‏ فإن وصل المأموم إلى حدّ الركوع المجزئ قبل أن يرفع الإمام عن حدّ الركوع المجزي فقد أدرك الرّكعة‏,‏ وحسبت له‏,‏ وحصلت له فضيلة الجماعة وأدرك بها صلاة الجمعة لحديث‏:‏ «من أدرك الركوع من الرّكعة الأخيرة يوم الجمعة فليضف إليها أخرى‏,‏ ومن لم يدرك الركوع من الرّكعة الأخرى فليصلّ‏,‏ الظهر أربعاً»‏.‏

أمّا الجماعة ذاتها فقد اختلف الفقهاء فيما تدرك به على مذاهب ينظر تفصيلها في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة الجماعة ف 14‏)‏‏.‏

مُدْمِن

التّعريف

1 - المدمن في اللغة‏:‏ اسم فاعلٍ من أدمن‏,‏ يقال‏:‏ أدمن الشّراب وغيره‏:‏ أدامه ولم يقلع عنه‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ مدمن الخمر هو الّذي يعاقر شربها ويلازمه ولا ينفك عنه‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

المصر‏:‏

2 - المصر في اللغة اسم فاعلٍ من أصرّ على الأمر إصراراً‏:‏ ثبت عليه ولزمه‏,‏ وأكثر ما يستعمل الإصرار في الآثام‏,‏ يقال‏:‏ أصرّ على الذّنب‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللغويّ‏,‏ قال القرطبي‏:‏ الإصرار هو العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع عنه‏,‏ وقال قتادة‏:‏ الإصرار‏:‏ الثبوت على المعاصي‏.‏ والصّلة بين المدمن والمصرّ أنّ بينهما عموم وخصوص‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمدمن

شهادة المدمن على الصّغائر

3 - نصّ الحنابلة على عدم قبول شهادة من يدمن على صغيرةٍ‏,‏ وقالوا‏:‏ إنّ من لم يرتكب كبيرةً وأدمن على الصّغيرة لا يعد مجتنباً المحارم‏.‏

وعبّر الفقهاء عن الإدمان هنا بلفظ الإصرار‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إصرار ف 1 - 2‏)‏‏.‏

قال الغزالي‏:‏ آحاد هذه الصّغائر الّتي لا ترد الشّهادة بها لو واظب عليها لأثّر في ردّ الشّهادة‏,‏ كمن اتّخذ الغيبة وثلب النّاس عادةً‏,‏ وكذلك مجالسة الفجّار ومصادقتهم‏.‏

شهادة مدمن الخمر

4 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا تقبل شهادة شارب الخمر وشارب كلّ مسكرٍ‏.‏

وقيّد الحنفيّة عدم قبول شهادة شارب الخمر بما إذا أراد الإدمان في النّيّة‏,‏ يعني يشرب ومن نيّته أن يشرب بعد ذلك إذا وجده‏,‏ قال السّرخسيّ‏:‏ ويشترط مع الإدمان أن يظهر ذلك للنّاس أو يخرج سكران فيسخر منه الصّبيان‏,‏ حتّى إنّ شرب الخمر في السّرّ لا يسقط العدالة‏,‏ فإنّ المتّهم بشرب الخمر في بيته مقبول الشّهادة وإن كان كبيرةً‏,‏ وجاء في الفتاوى الهنديّة نقلاً عن المحيط‏:‏ قال في الأصل‏:‏ ولا تجوز شهادة مدمن السكر وأراد به في سائر الأشربة‏.‏

ثياب مدمن الخمر من حيث الطّهارة والنّجاسة

5 - ذهب الحنفيّة في الأصحّ والشّافعيّة على القول الرّاجح المختار والحنابلة إلى أنّ ثياب مدمني الخمر طاهرة ولا تكره الصّلاة فيها‏,‏ لأنّه - كما قال صاحب الهداية - لم يكره من ثياب أهل الذّمّة إلا السّراويل مع استحلالهم الخمر فهذا أولى‏,‏ وقال في الفتح‏:‏ قال بعض المشايخ - مشايخ الحنفيّة -‏:‏ تكره الصّلاة في ثياب الفسقة لأنّهم لا يتّقون الخمور‏,‏ وقال جماعات من الخراسانيين من الشّافعيّة بنجاسة ثياب مدمني الخمر والقصّابين وشبههم ممّن يخالط النّجاسة ولا يتصوّن منها‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ ثياب شارب الخمر من المسلمين لا تجوز الصّلاة فيها عند تحقق النّجاسة أو ظنّها‏,‏ لا إن شكّ في نجاستها فإنّه تجوز الصّلاة فيها تقديماً للأصل على الغالب‏.‏

أكل الأفيون للمدمن عليه

6 - قال ابن عابدين‏:‏ سئل ابن حجرٍ المكّي عمّن ابتلي بأكل نحو الأفيون‏,‏ وصار إن لم يأكل منه هلك‏,‏ فأجاب‏:‏ إن علم ذلك قطعاً حلّ له‏,‏ بل وجب لاضطراره إلى إبقاء روحه كالميتة للمضطرّ‏,‏ ويجب عليه التّدريج في تنقيصه شيئاً فشيئاً حتّى يزول تولع المعدة به من غير أن تشعر‏,‏ فإن ترك ذلك فهو آثم فاسق‏,‏ ثمّ نقل ابن عابدين عن الخير الرّمليّ قوله‏:‏ وقواعدنا لا تخالفه‏.‏

مَدْهوش

التّعريف

1 - المدهوش لغةً‏:‏ من ذهب عقله حياءً أو خوفاً أو غضباً‏,‏ وهو اسم مفعولٍ من دُهِش‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

المعتوه‏:‏

2 - المعتوه في اللغة‏:‏ من نقص عقله من غير جنونٍ أو دَهَشٍ‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التّدبير‏.‏

والمعتوه كالمدهوش في حكم تصرفاته‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمدهوش

تتعلّق بالمدهوش أحكام فقهيّة منها‏:‏

أ - طلاق المدهوش‏:‏

3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ زائل العقل غير المتعدّي بزوال عقله لا يقع طلاقه كالمجنون والمغمى عليه والنّائم وزاد الحنفيّة المدهوش‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ جعل المدهوش في البحر داخلاً في المجنون‏,‏ وقال‏:‏ سئل الخير الرّملي عمّن طلّق زوجته ثلاثاً في مجلس القضاء وهو مغتاظ مدهوش‏,‏ فأجاب‏:‏ بأنّ الدّهش من أقسام الجنون فلا يقع طلاقه إذا كان يعتاده بأن عرف منه الدّهش مرّةً‏,‏ ويصدّق بلا برهانٍ‏.‏

وقال‏:‏ فالّذي ينبغي التّعويل عليه في المدهوش ونحوه إناطة الحكم بغلبة الخلل في أفعاله وأقواله الخارجة عن عادته‏,‏ ككلّ من اختلّ عقله لكبر أو مصيبةٍ حلّت به أو لمرض‏,‏ فما دام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال لا تعتبر أقواله وإن كان يعلمها ويريدها‏,‏ لأنّ هذه المعرفة والإرادة غير معتبرةٍ‏,‏ لعدم حصولها عن إدراكٍ صحيحٍ‏,‏ كما لا تعتبر من الصّبيّ العاقل‏.‏

‏(‏ر‏:‏ طلاق ف 22‏)‏‏.‏

ب - سكوت المدّعى عليه لدهش عن جواب دعوى المدّعي‏:‏

4 - صرّح الشّافعيّة بأنّه إذا أصرّ المدّعى عليه على السكوت عن جواب الدّعوى لغير دهشةٍ أو غباوةٍ جعل حكمه كمنكر للمدّعى به ناكلاً عن اليمين‏,‏ وحينئذٍ فترد اليمين على المدّعي بعد أن يقول له القاضي‏:‏ أجب عن دعواه وإلا جعلتك ناكلاً‏,‏ فإن كان سكوته لنحو دهشةٍ أو غباوةٍ شرح له‏,‏ ثمّ حكم بعد ذلك عليه‏.‏

مَدِيْن

انظر‏:‏ دين‏.‏

مَدِينة

انظر‏:‏ مصر‏.‏